الطواف حول البحر الإريثري
المزيد من الإجراءات
الطواف حول البحر الإريثري رحلةٌ جغرافيةٌ وتجاريةٌ يونانيةٌ رومانيةٌ مكتوبةٌ باليونانية العامية، والتي تصف الملاحة البحريةً حول البحر الإريثري، بدءًا من الموانئ المصرية الرومانية مثل ميناء برنيس (برنيقة) على طول ساحل البحر الأحمر، مرورًا بالساحل الأفريقي والخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، وصولًا إلى منطقة السند الحالية في باكستان والمناطق الجنوبية الغربية من الهند.
وقد نُسب النص إلى تاريخين مختلفين بين القرنين الأول والثالث الميلاديين، إلا أن الرواية المقبولة الآن هي رواية منتصف القرن الأول الميلادي. فهي تقدم وصفًا مباشرًا وواضحًا من قبل فرد ملم بالمنطقة رغم غموض هويته، وتتميز بفرادتها تقريبًا في توفير رؤى دقيقة حول ما عرفه العالم الهيليني القديم عن الأراضي المحيطة ببحر الهند.
الاسم
الرحلة البحرية (باليونانية: περίπλους, períplous, وتعني حرفيًا "الإبحار حول") هي حكاية بحرية تروي مغامرات البحارة اليونانيين في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي. وقد كتبت هذه الحكايات في عصر ما قبل الخرائط، وكانت بمثابة دليل للمسافرين، حيث قدمت لهم معلومات عن الموانئ والطرق التجارية والثقافات المحلية.
البحر الإريثري (باليونانية: Ἐρυθρὰ Θάλασσα, Erythrà Thálassa, وتعني حرفيًا "البحر الأحمر") هو مصطلح بحري تاريخي شَمُل خليج عدن والبحار الأخرى بين الجزيرة العربية السعيدة (المباركة) كما أطلق عليها سابقا لوصف اليمن حديثا والقرن الأفريقي. وهو أيضا مصطلح جغرافي يوناني قديم استخدم في جميع أنحاء أوروبا حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. تجاوزت التسمية في بعض الأحيان خليج عدن ليشمل البحر الأحمر حاليا وبحر العرب والخليج العربي والمحيط الهندي كمنطقة بحرية واحدة.
تاريخ وتأليف الطواف حول البحر الإريثري
يُرجح أن يكون النص البيزنطي العائد إلى القرن العاشر، والذي يُعد مصدر معرفتنا الحالية حول رحلات الملاحة في البحر الأحمر، من تأليف المؤرخ أريانوس. إلا أن هذه النسبة غير مبررة إلا إذا كانت تشير إلى رحلة أريانوس البحرية في البحر الأسود، والتي كُتبت في وقت لاحق بكثير"
قدم ويلفريد هارفي شوف تحليلاً تاريخيًا دقيقًا للنص في عام 1912، حدد فترته الزمنية بين السنة 59 والسنة 62 ميلادية، ويتطابق هذا التحليل مع التقديرات الحالية لمنتصف القرن الأول الميلادي. وإلى جانب ذلك، قدم شوف تحليلاً متينًا عن هوية المؤلف الأصلي للنص، حيث خلص إلى أنه كان "يونانياً يعيش في مصر تحت الحكم الروماني". وبحسب تقديرات شوف، يمكن أن يكون ذلك قد حدث في عهد تيبريوس كلوديوس بالبيلوس، الذي كان بالمصادفة أيضاً يونانياً مصرياً.
أفاد شوف أن المؤلف لا يُمكن أن يكون "رجلاً مُثقفاً"، وذلك استناداً إلى تباين استعماله للكلمات اليونانية واللاتينية، وبساطة بنية بعض جمله، وعدم صحة بعضها الآخر. كما لاحظ شوف أيضاً عدم ذكر أي رحلة عبر النيل والصحراء من قفط (مدينة مصرية)، واقترح بناءً على ذلك،أن يكون مكان إقامة المؤلف في برنيقة بدلاً من الإسكندرية.
يرى جون هيل أن نص الطواف حول البحر الأحمر يمكن تأريخه إلى الفترة الزمنية بين عامي 40 و70 ميلادية، وربما إلى الفترة بين عامي 40 و50 ميلادية. ويتفق هذا التأريخ مع رأي ليونيل كاسون، الذي يرى أن النص يعود إلى الفترة بين عامي 40 و70 ميلادية أيضاً، في كتابه "بيريبلوس ماريس إريثرايي: النص مع المقدمة والترجمة والتعليق" (بالإنجليزية: The Periplus Maris Erythraei: Text with Introduction, Translation and Commentary).
ملخص الطواف حول البحر الإريثري
يتألف العمل من 66 فصلاً، جلها فقرات طويلة. كمثال على ذلك، يمكن قراءة الفصل التاسع كاملا:
تميز وصف بعض المواقع في المجمل بالدقة الكافية لتحديد مواقعها الحالية. إلا أنه ثمة جدل كبير بالنسبة لبقية المواقع الأخرى، ومنها على سبيل المثال ميناء "رابطة" الذي ورد على أنه أبعد سوق يقع على الساحل الأفريقي لـ "آزانيا". إلا أن هناك خمس مواقع على الأقل تتناسب مع هذا الوصف، تشمل ميناء تنجا وتمتد إلى جنوبي دلتا نهر روفيجي. ويتناول وصف الساحل الهندي نهر الغانج بوضوح، إلا أنه ظل غامضاً بشأن وصفه للصين، حيث وصفها بـ "مدينة ثيناي الداخلية العظيمة"، كواحدة من مصادر الحرير الخام.
وجاء في الكتاب أن هيبالوس، التاجر والملاح اليوناني (القرن الأول قبل الميلاد)، اكتشف طريقًا بحريًا مباشرًا من البحر الأحمر إلى شبه القارة الهندية عبر المحيط الهندي.
ورد في هذا الكتاب ذكر العديد من السلع التجارية، إلا أن بعض أسمائها لم يرد ذكرها في أي مصدر أدبي قديم آخر، مما أدى إلى تفسيرات عديدة حول ماهيتها. فعلى سبيل المثال، لم يرد اسم أحد هذه السلع التجارية، وهو "lakkos chromatinos"، في أي من الأدب اليوناني أو الروماني القديم. ولا تزال بعض السلع التجارية الأخرى المذكورة في الكتاب غامضة.
المملكة الحميرية وسبأ
أرسلت مملكة حمير سفنها بانتظام على طول ساحل شرق إفريقيا. وقد وصفت المصادر التاريخية تجارة مملكة حمير وسبأ ، التي كانت مملكة واحدة تحت حكم ملك واحد، وهو "كرب إيل واتر" (ربما كرب إيل وتار يهنعم)، الذي كان على علاقة ودية مع روما.
مملكة اللّبان
ووصفت مملكة اللبان بموقعا شرقاً على طول الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، بمينائها ميناء قنا - بئر علي حديثا في حضرموت. يدعى حاكم هذه المملكة إليازوس، أو أليعازر، وهو "إل عز يلط" الأول على أغلب الظن.
الصومال
يُعتقد أن رأس حافون في شمال الصومال هو موقع مركز التجارة القديم في حافون (أوپوني). وقد عثر فريق أثري من جامعة ميشيغان على فخار مصري قديم وروماني وخليجي في الموقع. ذكرت حافون في الفصل الثالث عشر من الكتاب، والذي جاء فيه:
كانت مدينة حافون في الأزمنة الغابرة ميناءً تجاريًا يقصده التجار من فينيقيا ومصر واليونان وبلاد فارس واليمن ومملكة الأنباط وأزانيا والإمبراطورية الرومانية وغيرها، وذلك لموقعها الاستراتيجي على طول الطريق الساحلي من أزانيا إلى البحر الأحمر.
وكان التجار من أقصى الشرق، كالأرخبيل الإندونيسي وشبه جزيرة الملايو، يعبرون حافون، حاملين معهم التوابل والحرير وغيرها من البضائع، ثم يتوجهون جنوبًا إلى شرق أفريقيا أو شمالًا إلى اليمن ومصر، عبر طرق التجارة التي تمتد على طول سواحل المحيط الهندي. ومنذ عام 50 بعد الميلاد، كانت مدينة حافون مركزًا تجاريًا مهمًا للبهارات، بما في ذلك القرفة والقرنفل والتوابل الأخرى، بالإضافة إلى العاج وجلود الحيوانات والبخور.
ذكرت مدينة مالاو القديمة، التي تقع حاليًا في بربرة بشمال وسط أرض الصومال، أيضًا في الكتاب:
مملكة أكسوم
ورد ذكر مملكة أكسوم في الكتاب باعتبارها مركزًا تجاريًا حيويًا للعاج، الذي كان يُصدَّر إلى جميع أنحاء العالم القديم:
ورد في الكتاب أن زوسكاليس كان حاكمًا لأكسوم، وأنه كان يحكم أيضًا ميناءين على البحر الأحمر: عدوليس (بالقرب من مصوع) وأفاليتس (عصب). كما يقال أنه كان على دراية بالأدب اليوناني.
رابطة
أكدت الأبحاث الحديثة التي أجراها عالم الآثار التنزاني فيليكس تشامي وجود بقايا تجارية رومانية عديدة بالقرب من مصب نهر روفيجي وجزيرة المافيا القريبة، مما يدعم فرضية أن ميناء رابطة القديم كان يقع على ضفاف نهر روفيجي جنوبي دار السلام. يخبرنا الكتاب أن:
ويلخص تشامي الأدلة على موقع رابطة على النحو التالي:
لا يزال الموقع الدقيق للعاصمة الأزانية، رابطة، مجهولاً، إلا أن الدلائل الأثرية المذكورة أعلاه تشير إلى أنها كانت تقع على ساحل تنزانيا، في منطقة نهر روفيجي وجزيرة مافيا. حيث اكتشفت في هذه المنطقة مستوطنات من حقبة بانشيا / أزانيا.
وإذا كانت جزيرة منوثيوس المذكورة في الكتاب هي زنجبار، فإن رحلة قصيرة جنوبًا ستؤدي إلى منطقة روفيجي. وقد حدَّد الجغرافي بطليموس في القرن الثاني موقع مدينة رابطة عند خط عرض 8 درجات جنوبًا، وهو خط عرض دلتا روفيجي وجزيرة مافيا بالضبط. وكانت المدينة الواقعة على البر الرئيسي تقع على بعد درجة واحدة تقريبًا إلى الغرب من الساحل، بالقرب من نهر كبير وخليج يحمل نفس الاسم.
وبناءً على أن النهر هو نهر روفيجي الحديث، يمكننا التعرف على الخليج بكل تأكيد بمياهه الهادئة بين جزيرة مافيا ومنطقة روفيجي. وكانت شبه الجزيرة الواقعة إلى الشرق من رابطة هي الطرف الشمالي لجزيرة مافيا. أما الجزء الجنوبي من الخليج، فهو محمي ببحر عميق من خلال العديد من الجزر الدلتاوية الصغيرة المنفصلة عن جزيرة مافيا بقنوات ضحلة وضيقة.
وإلى الشمال، يفتح الخليج على البحر، وأي بحار يدخل هذه المياه من ذلك الاتجاه سيشعر وكأنه يدخل خليجًا. وحتى اليوم، يطلق السكان المحليون على هذه المياه اسم خليج، ويشار إليها باسم "البحر الأنثى"، على عكس البحر المفتوح الأكثر عنفًا على الجانب الآخر من جزيرة مافيا.