بوكيفالا ونيقية

بوكيفالا وسبارتورا باكستان في القرن الرابع كما هو موضح في خريطة بيوتنجر 103

بوكيفالا ونيقية هما مدينتان أسسهما الإسكندر الأكبر على جانبي نهر هيداسبس (نهر جيلوم حاليًا في باكستان) أثناء غزوه لشبه القارة الهندية، إبان انتصاره في معركة هيداسبس على الملك الهندي بوروس وذلك أوائل عام 326 قبل الميلاد، وأشرف على بنائهما كراتيروس أحد أبرز قادة الإسكندر.

يرجح أن اسم نيقية أطلق على المدينة التي أسست على الضفة الشرقية للنهر في نفس المنطقة التي وقعت فيها المعركة، بينما سميت المدينة الواقعة على الضفة الغربية على الأرجح باسم حصان الإسكندر بوكيفالوس.

ذكر كل من بليني الأكبر وبطليموس مدينة بوكيفالا، كما وردت في مخطوطة "رحلات البحر الأحمر" التي تعود إلى القرن الأول الميلادي، وفي خريطة تابولا بوتينجرانا اللاحقة.

لم يُحدد موقع هاتين المدينتين بدقة، ولكن يُعتقد أن مدينة بوكيفالا قد أُسست في محيط مدينة جلال بور شريف الحالية، وأن موقع نيقية كان عبر النهر بالقرب من مونغ الحالة.

نظرة تاريخية

التأسيس

فسيفساء من القرن الرابع قبل الميلاد من بيلا تصور كراتيروس (يمين) وهو يصطاد الأسود إلى جانب الإسكندر

غزا الإسكندر الأكبر، ملك مقدونيا (حكم 336-323 قبل الميلاد) الإمبراطورية الأخمينية الفارسية عام 334 قبل الميلاد، وهزم الملك الفارسي داريوس الثالث هزيمة ساحقة في معركتيّ إسوس (333 قبل الميلاد) وغوغميلا (331 قبل الميلاد)، وسيطر على معظم غرب آسيا.

شن الإسكندر لاحقا حملة ناجحة ضد بيسوس (لقبه: الساتراب أو الساطراف أو الأخشدرفان) حاكم باختريا، الذي اغتال داريوس الثالث وأعلن نفسه أَرْتَحْشَشْتَا الخامس ملك الفرس. وبعد القبض على بيسوس وإعدامه، اتجه القائد المقدوني جنوبًا نحو نهر السند لإخضاع قادة المناطق فيها.

استولى الإسكندر على قلعة أورنوس في شمال باكستان الحالية في أبريل 326 قبل الميلاد، ثم عبر نهر السند لبدء حملة شمالي الهند، ونفذ سلسلة من المناورات لعبور نهر هيداسبس (جيلوم حاليا) وهزم الملك الهندي بوروس في معركة هيداسبس.

تظهر روايات تأسيس مدينتين بعد المعركة في سجلات روايات - آريانوس النيقوميدي وبلوطرخس وديودور الصقلي وكوينتوس كورتيوس روفوس وجوستين. حيث اتفق الخمسة كلهم على أن الإسكندر أسس مدينتين، واحدة على كل جانب من جانبي نهر السند، وسمى إحداهما نيقية والأخرى بوكيفالا.

تولى كراتيروس أحد كبار قادة الإسكندر بناء وتحصين المدن الجديدة، وهي مهمة كان قد قام بها قبل بضعة أشهر في أريغاون (مدينة قديمة ربما تقع تحت مدينة نواجاي الحديثة).

دون ديودوروس سيكولوس عن سرعة بناء هذه المدن لوفرة اليد العاملة فيها. احتفل الإسكندر بالنصر والتأسيس بما يطلق عليه آريانوس النيقوميدي "مسابقة أحصنة ورياضة" بالقرب من المدينة الغربية وذلك قبل أن يتابع حملته الهندية.

أجبر الاسكندر على العودة بعد بضعة أشهر إلى هذه المدن بسبب تمرد الجيش المقدوني عند نهر هيفيسس (نهر بيس الحديث).

كما وجه جنوده للمساعدة في إصلاح الأضرار التي تسبب بها الرياح الموسمية، وهي ظاهرة لم تكن معروفة من قبل بالنسبة للمقدونيين، الذين لم تكن مبانيهم جاهزة لتحمل مناخ جنوب آسيا الموسمي وأمطاره الغزيرة.

ثمة بعض الخلاف حول ما إذا كان الإسكندر قد عزم على أن تكون تأسيساته الجديدة مدنًا سريعة النمو أو مجرد حاميات عسكرية تسيطر على الأراضي المفتوحة.

وقد افترض المؤرخ نيكولاس جيفري ليمبريير هاموند أن بوكيفالا ونيقية اللتين أسستا على ضفاف نهر رئيسي، يجب أن تكون قد أسستا مع أخذ طرق التجارة الرئيسة في الحسبان.

وربما أنشأ الإسكندر أحواض بناء السفن في بوكيفالا وفقًا لآريان، على الرغم من أن كورتيوس روفوس يذكر أن هذه الأحواض كانت موجودة على نهر الأسين (نهر تشيناب حاليا).

كانت بوكيفالا ونيقية مدينتين فريدتين بالنسبة للعديد من المدن التي أسسها الإسكندر لعدم وجودهما عند قلعة أو عاصمة موجودة بالفعل أو بالقرب منها.

المصادر بشأن تفاصيل تأسيس وتسمية المدينتين ليست واضحة. يفصل أريان بين العبارات التي توضح موقع المدينتين وتسميتهما، بحيث على الرغم من أن القارئ يعرف أن إحدى المدينتين كانت تسمى نيقية والأخرى تسمى بوكيفالا، إلا أنه من غير الواضح أي اسم يتوافق مع أي مدينة.

على الرغم من أن الرأي النقدي يميل إلى كون نيقية هي المدينة الشرقية، إلا أن المؤرخ ألبرت بريان بوسورث لاحظ أن هذا الاستنتاج كان مبدئيًا إلى حد ما. ولم تقدم أي من المصادر الأخرى مزيدًا من التعابير الواضحة عن ذلك، كما أنه من المحتمل أن آريان نفسه لم يكن يعرف أي مدينة تحمل أي اسم.

ثمة هنالك أيضًا لبس بشأن توقيت وفاة بيوسيفالوس، حصان الإسكندر الأكبر، والذي سميت مدينة بوكيفالا تيمنًا باسمه. حيث دون جاستن أنه سقط في بداية المعركة على نهر هيداسب، بينما دون بلوتارخ أن بيوسيفالوس مات جراء جروح أو جراء تقدمه في السن "ولكن ليس على الفور، بل بعد فترة من الزمن".

كما دون آريان أن بيوسيفالوس، الذي كان يبلغ من العمر حوالي ثلاثين عامًا، مات دون إصابات بسبب كبر سنه.

نظرًا لأن كلًا من ديودوروس وكورتيوس روفوس قد فَصَلا بين بين تأسيس هذه المدن وتسميتها، فمن المحتمل أن يكون الحصان قد مات بعد مغادرة الإسكندر إلى الشرق، وأن المستوطنات قد سميت إبان عودته إلى المنطقة لاحقا.

التاريخ اللاحق

الاسكندر ممتطيا حصانه بوسيفالوس في المعركة، كما هو موضح في فسيفساء الإسكندر لبومبي

دامت مدينة بوكيفالا لعدة قرون. ويحتمل أنها خضعت لحكم إمبراطورية الموريين (حوالي 320-185 قبل الميلاد)، بينما ساعد الوجود اللاحق للمملكة الهندو-إغريقية (حوالي 170 قبل الميلاد-10 ميلادي) في المنطقة على بقائها.

ادعى عالم الكلاسيكيات البريطاني ويليام وودثورب تارن في القرن العشرين أن المستوطنة كانت عاصمة الملك الهندو-إغريقي هيبوستراتوس في القرن الأول قبل الميلاد، وذلك بسبب وجود رمز على عملاته المعدنية زعم أنه لا يمكن صكها إلا في مدينة يونانية.

تعتبر هذه النظرية معيبة حيث لم يعثر على مثل هذه العملات المعدنية بالقرب من نهر هيداسبس. بينما شكك المؤرخ الهندي عوض كيشور نارين فيما إذا كانت بوكيفالا لا تزال موجودة في عهد ميناندر الأول (حوالي 150 قبل الميلاد)، إلا أن هذا الغموض تبدد لوجود ذكر للمدينة في كتاب المحيط الهندي من القرن الأول الميلادي، وهو دليل للبحارة التجار الرومان.

ورد اسم بوكيفالا في العديد من التدوينات اليونانية والرومانية الأخرى، بما في ذلك النسخ المختلفة من رواية الإسكندر وتدوينات بطليموس وبليني الأكبر، الذي سمى المدينة على أنها عاصمة ثلاثة مدن تسيطر عليها قبيلة أيسيني.

كما تظهر على اللوحة البويتينغرية (لوحة بوتنجر) وفي كتابات ياقوت الحموي. وذكرت نيقية بتواتر أقل في المصادر القديمة: من المحتمل أن الاسم إسكندرية بوروس، الشائع الذكر، يشير في الواقع إلى نيقية.

اتسقت المصادر القديمة عموما في تسمية المدن. ونادرًا ما سميت بوكيفالا باسم "بوكيفاليا" أو "الإسكندرية بوكفالوس" في العصر البيزنطي. كما أسس الإسكندر، الذي اعتاد أن يأسس مدنًا عقب انتصاراته، مستوطنة أخرى تسمى "نيقية" شرق باروباميساداي قبل وقت قصير.